تفسير انجيل متى الاصحاح العاشر







تفسير انجيل متى الاصحاح العاشر





باسم الثالوث الاقدس



بنيامين بنكرتن








الإصحاح العاشر








إرسالية الإثني عشر (إصحاح 1:10-إصحاح 1:11؛



مرقس 13:3-19؛ 7:6-13؛ لوقا 12:6-16؛ 1:9-6)



«ثم دعا يسوع تلاميذه الإثني عشر. وأعطاهم سلطانًا على أرواح نجسة حتى يخرجوها، ويشفوا كل مرض وكل ضعف. وأما أسماء الإثني عشر رسولاً فهي: الأول سمعان الذي يُقال له بطرس، واندراوس أخوه. يعقوب بن **دي ويوحنا أخوه. فيلبس وبرثولماوستوما ومَتَّى العشاريعقوب بن حلفي ولَبَّاوُسُ الملقب تداوس سمعان القانوي ويهوذا الأسخريوطي الذي أسلمه» (عدد 1-4).



«دعا تلاميذه الإثني عشر» كان قد دعاهم قبل ذلك دعوة خصوصية لاتباعه والتتلمذ له. أما هنا فقد دعاهم إليه وأقامهم ليكونوا رسله الإثني عشر. ومما تجدر ملاحظته أنه قبل إقامتهم قضى الليل كله في الصلاة (لوقا 12:6-16).



«وأعطاهم سلطانًا» سلطانًا خصوصيًا لم يعطوه من قبل. والسلطان يتضمن القوة، ولكنه أوسع منها. إن للملائكة قدرة، ولكن ليس لهم سلطان أي أنهم مقيدون في حركاتهم بما يصدر لهم من أوامر. والرسل وأن كانوا قد أعطوا السلطان أو حرية التصرف، إلا أنهم منقادون فيه بإرشاد الروح القدس



لما خلق الله الإنسان أعطاه سلطانًا (تكوين 26:1؛ مزمور 4:8-8). ولكنه خان وسقط، وصار مستعبدًا لإبليس. ولكن ابن الله صار إنسانًا. ويقال له «الإنسان الثاني». و«آدم الأخير» (كورنثوس الأولى 45:15، 47) وكان له سلطان على الأرض أن يخرج الأرواح الشريرة، ويشفي الأمراض، وينقض أعمال إبليس. وكان يستطيع أن يعطي سلطانًا للآخرين أيضًا. لقد عمل بعض الأنبياء عجائب، ولكنهم لم يقدروا أن يمنحوا هذه القوة لغيرهم. فقد طلب أليشع إلى إيليا قائلاً «ليكن نصيب أثنين من روحك عليَّ فقال، صعبت السؤال. فإن رأيتني أُوخذ منك يكون لك كذلك، وإلا فلا يكون» (ملوك الثاني 9:2، 10) بمعنى أنه أن كانت غيرة أليشع قوية إلى هذا المقدار، حتى تحمله لأن يتبع سيده إلى أن يُؤخذ، فيعطيه الله حسب طلبته. ولكن إيليا لم يقدر أن يعطيه شيئًا. وأما يسوع فأعطى رسله سلطانًا كما يليق بمجد شخصه.



«الأول سمعان، الذي يقال له بطرس» (عدد 2) لفظة الأول نكرة في الأصل اليوناني، ولا تفيد إلا ترتيب ذكر أسمائهم فقط. قد ساد الاعتقاد عند البعض أن بطرس كان رئيس الرسل. ولكن ليس لهذا الاعتقاد أدنى أساس في الإنجيل. وواضح كل الوضوح، أن الرب أعطاهم جميعًا سلطانًا متساويًا فكل ما كان الرسول بطرس يقدر أن يعمله، كان الآخرون يقدرون أيضًا أن يعملوه. والرسول الذي كان يسوع يُحبه محبة خصوصية، كان هو يوحنا، وليس بطرس، ومن جهة خدمتهم، قد استخدم الرب كلاً منهم كما شاء. فكان بطرس مُتقدمًا في الخدمة في أول سفر الأعمال. ولكن في آخره، كان بولس هو المتقدم. ولو كان هناك محل للرياسة بينهم بالنظر إلى خدمتهم، لكانت الرياسة لبولس بلا شك. لأنه تعب أكثر منهم جميعًا (كورنثوس الأولى 10:15). ولكن الذين يُعظمون شأن بطرس لأجل غاياتهم المعلومة، قلما يفتكرون في بولس، أو في غيره من الرسل. ولو جاز انتساب الكنيسة لأحد الرسل، لانتسبت لبولس لأنها تأسست على يده بنوع خاص، ولكن انتسابها لأحد غير المسيح ممنوع منعًا باتًا (كورنثوس الأولى 12:1، 13)، فجميعهم، إذن، كانوا متساوين في السلطان، وتعبوا في خدمتهم كل واحد بحسب النعمة المعطاة له (كورنثوس الأولى 5:3).1



وصايا المسيح لرسله (عدد 5-42)



الجزء الباقي من الإصحاح، أي من (عدد 5-42)، يتضمن وصايا المسيح لرسله فيما يتعلق بالشهادة له. وهذه الوصايا تقع في ثلاثة أقسام. يختتم كل منها بالعبارة «الحق أقول لكم».



القسم الأول: (عدد 5-15). وهو خاص بخدمة الرسل لإسرائيل في أرضهم والرب معهم بالجسد.



القسم الثاني: (عدد 16-23). وهو خاص بخدمة تلاميذ المسيح لإسرائيل والأمم مبدئيًا، بعد يوم الخمسين. ونهائيًا، بعد اختطاف الكنيسة.



القسم الثالث: (عدد 24-42). وهو عبارة عن تشجيعات وإنذارات عامة لتلاميذ المسيح في الشهادة له أثناء غيابه عنهم بالجسد.





القسم الأول (عدد 5-15)



خدمة الرسل لإسرائيل في أرضهم والرب معهم بالجسد. «هؤلاء الإثني عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً، إلى طريق أمم لا تمضوا. وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. وفيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين، أنه قد اقترب ملكوت السماوات. اُشفوا مرضى طُهروا بُرصًا (أقيموا موتى) أخرجوا شياطين. مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا. لا تفتنوا ذهبًا ولا فضة ولا نحاسًا في مناطقكم. ولا مزودًا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا لأن الفاعل مُستحق طعامه.



وأية مدينة أو قرية دخلتموها فافحصوا من فيها مستحق وأقيموا هناك حتى تخرجوا وحين تدخلون البيت سلموا عليه فإن كان البيت مستحقًا فليأت سلامكم عليه. ولكن إن لم يكن مستحقًا فليرجع سلامكم إليكم. ومن لا يقبلكم ولا يسمع كلامكم فأخرجوا خارجًا من ذلك البيت أو من تل المدينة وانفضوا غبار أرجلكم. الحق أقول لكم، ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة اكثر احتمالاً مما لتلك المدينة».



يجب أن نلاحظ جيدًا أن هذا الفصل يحتوي على تعليمات الرب للرسل لأجل إرسالية خصوصية لإسرائيل. فانه أرسلهم إلى «خراف بيت إسرائيل الضالة»، ليُنادوا باقتراب «ملكوت السماوات» إليهم. ومنعهم من التوجه إلى الأمم والسامريين. وأما بعد قيامته فأرسلهم إلى العالم أجمع، على أن يبتدئوامن أورشليم (لوقا 47:24).



«اشفوا مرضى. طهروا برصاَ. أقيموا موتى. أخرجوا شياطين .. لا تقتنوا ذهبًا ولا فضة .. ولا مزودًا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا الخ». (عدد 8-10).



نرى أن كل ما يتعلق بإعدادهم لهذه الإرسالية يدل على العجلة والاجتهاد، ثم خرجوا مزودين بقوة الله، لينقضوا جميع أعمال العدو، حتى الموت أيضًا. وكان يجب عليهم أن ينتظروا طعامهم من الله. فإن عمانوئيل كان حاضرًا. ولا بد أن يُهيئ قلوب البعض لقبولهم.



كان قد صرف وقتًا يجول في وسط إسرائيل يعلم في مجامعهم، ويصنع أعمالاً تبرهن على حقيقة شخصه. وأخذ الرؤساء يُقاومونه ويُهيجون الشعب ضده. وكانت أفكار الجميع مشغولة في هل هذا مسيحهم أم لا؟ فهذه الإرسالية بحسب إنجيل مَتَّى هي آخر فرصة لأُمة إسرائيل ليقبلوه أو يرفضوه.



«افحصوا من فيها مُستحق»، فالمُستحق في مدينة ما هو الذي كان مُستعدًا لقبول الرب، والبرهان على ذلك أنه يقبل الرسل ويضيفهم فيحل عليه وعلى بيته السلام وإن لم يُقبلوا في مدينة ما، فكان يجب أن يشهدوا ضده بنفض غبارها عن أرجلهم، دلالة على عدم وجودهم بعد في شركة مع سُكانها، ولو كانوا إسرائيليين فإن كل شيء كان متوقفًا على قبولهم المسيح. فإن قبلوه، فلهم سلام. وإن رفضوه فلم يبق لهم سوى الدينونة. وأية دينونة! «الحق أقول لكم ستكون لأرض سدوم وعمورة يوم الدين حالة أكثر احتمالاً» أي أنها دينونة أشد مما لأهل سدوم وعمورة. لقد وقعت على هؤلاء الدينونة وهم أحياء كما نعرف، ومع ذلك سيدانون دينونة الأموات، كل واحد بحسب خطاياه. وهكذا الأمر مع إسرائيل، فإن الدينونة التي وقعت عليهم كأُمة لا تنفي مُعاقبتهم أفرادًا يوم الدين. ومن قوله «حالة أكثر احتمالاً» يتضح أن قصاص البعض يكون أشد من قصاص الآخرين في البُحيرة المُتقدة بالنار والكبريت، لأن الأموات الأشرار سيُدانون كل واحد حسب أعماله (رؤيا 12:20). ولا يُعاقب في تلك الدينونة واحد عن أعمال أخيه.




القسم الثاني (عدد 16-23)




خدمة تلاميذ المسيح لإسرائيل في أرضهم وللأُمم بعد يوم الخمسين



ثم بعد اختطاف الكنيسة



«ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب. فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام. ولكن إحذروا من الناس. لأنهم سيُسلمونكم إلى مجالس. وفي مجامعهم يجلدونكم. وتُساقون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم. فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون. لأنكم تُعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم أنتم المُتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم. وسيُسلم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ولده. ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم. وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي. ولكن الذي يصبر إلى المُنتهى فهذا يخلص. ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإني الحق أقول لكم، لا تُكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان».



كانت خدمة تلاميذ المسيح في القسم السابق لإسرائيل فقط، وفي زمان وجود المسيح معهم بالجسد فقط، أما هنا فتختلف، لأنها تتعلق بخدمة تلاميذ المسيح، لإسرائيل في أرضه، ولجميع الأُمم أيضًا. وذلك بعد رفض المسيح وصلبه وصعوده إلى السماء وغيابه فيها بالجسد عن تلاميذه، وبعد حلول الروح القدس عليهم يوم الخمسين، وامتلائهم بقوته بكيفية خارقة لأداء هذه الخدمة، التي يسجلها سفر الأعمال. وعليه، فالاضطهاد المذكور هنا، اضطهاد عام. ويقع لا على الرسل فقط، بل على جميع المعترفين باسمه. والذين يشهدون له في كل زمان ومكان.



«ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب» هذه كانت حالة إسرائيل على وجه الإجمال. ولا يوجد أمل في أنهم يتوبون ويقبلون المسيح. لأنهم لم يختلفوا عن رؤسائهم الذين سبق المسيح وشبههم بذئاب خاطفة (إصحاح 15:7) وإرسالية الغنم بين الذئاب أمر غير طبيعي. ونجاتها منها أيضًا أمر غير طبيعي. وهذا يدل على أن الإرسالية من الله.



«فكونوا حكماء كالحيات»، الحكمة المنسوبة للحية هنا، هي باعتبار أنها تحترس من الخطر، وتتوارى عنه وليس من خُبثها وإيذائها (كورنثوس الثانية 3:11). قد سبق الرب وعلمهم كيف يجب أن يميزون ما يناسب الأحوال عندما يتكلمون مع الناس (إصحاح6:7)، وأما هنا، فيُشير إلى خطر يُحيط بهم من جميع الجهات. وإذ ذاك فيجب أن يحترزوا ويتواروا عنه، ولو أنه لا يمكنهم أن ينجوا منه تمامًا. لأنه يفرض وقوعهم في أيدي المُضطهدين أحيانًا، لذلك يُعلمهم كيف يتصرفون.



«وبسطاء كالحمام»، البساطة، هي الإخلاص وسلامة النية، وليست هي البلادة والجهالة. قال الرسول «أريد أن تكونوا حكماء للخير وبسطاء للشر» (رومية 19:16). فالبساطة هذه، هي من صفات أولاد الله الروحيين (فيلبي 14:2-16). فإنهم يدركون الخطر والشر ويتجنبونهما (أمثال 3:22) عن طريق وجودهم قريبين من الرب في سلوكهم. بخلاف أهل هذا العالم، الذين يعرفون الشر بالفحص والاختيار. فاحتاج الرسل إلى صفة البساطة هذه على نوع خصوصي في خدمتهم لإسرائيل سواء في أيام وجود الرب بالجسد معهم على الأرض، أو بعد صعوده إلى السماء.



«ولكن إحذروا من الناس. لأنهم سيُسلمونكم إلى مجالس وفي مجامعهم يجلدونكم» وا أسفاه على إسرائيل! فإنهم صاروا يُلقّبون «الناس»، ولم يعودا يستحقون لقب «إسرائيل»، نظرًا إلى رفضهم المسيح، وبغضهم غير المُتناهي للذين اعترفوا باسمه. ولا شك عندي أن التعليمات التي نحن بصددها في الأعداد (من 16-23)، إنما تتعلق بتأدية الشهادة للمسيح في وسط إسرائيل في أي وقت كانوا فيه في أرضهم بعد صعوده بالجسد إلى السماء إلى أن يجيء ثانية بالقوة كابن الإنسان لإسرائيل والعالم. ولا تتعلق بإرسالية الرسل الأولى لإسرائيل أيام وجود الرب معهم بالجسد في أرض إسرائيل. لأن الرب لم يفرض في تعليماته لهم في هذه الإرسالية (من عدد 5-15)، أنهم يصرفون في مدينة واحدة وقتًا طويلاً يتعرضون فيه لأن يثور اضطهاد يُساقون بسببه إلى المجالس والمجامع وفعلاً لم يحصل لهم شيء من ذلك لأنهم إنما ذهبوا في طريقهم على عجل، من مدينة إلى مدينة، كمن يُذيعون نداء ملكيًا، يظهر قبوله أو رفضه، عقب إبلاغه في الحال.



«وتُساقون أمام ولاة وملوك». لم يزل اليهود تحت سلطة الأمم، ولكنهم أهاجوا الاضطهاد على شهود المسيح كما نعلم. وقد اشتهر شاول الطرسوسي في غيرته باضطهادهم وطردهم إلى غير مدن اليهود.



«من أجلي، شهادة لهم، وللأمم»، فالاضطهاد هنا، لأجل اسم المسيح. والشهادة المقدمة من المعترفين بهذا الاسم، ستبلغ اليهود والأمم، وسيحتملون في سبيلها الشدائد والضيق بصبر.



«فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون لأنكم تُعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به. لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم». واضح أن الرب بكلامه هذا يُشير إلى خدمتهم بعد موته وحلول الروح القدس حيث قد أمرهم بالبقاء في أورشليم إلى أن ينالوا قوة عند حلول الروح القدس عليهم. ثم بعد ذلك يكونون له شهودًا في أورشليم وفي اليهودية والسامرة. و



إلى أقصى الأرض. غير أنهم في بادئ الأمر اقتصروا على أورشليم والسامرة صحيح أن القوة التي حملتهم للشهادة إلى لإسرائيل في أرضه أولاً، قادتهم أخيرًا إلى بلدان أممية أيضًا، غير أن بطرس ورفقاءه من الرسل، جعلوا الأهمية العظمى للخدمة لإسرائيل في أرضه. واختاروا خدمة الختان تاركين لبولس والذين معه تبليغ البشارة للأمم (غلاطية 9:2). وإني لا لأتعرض هنا لمسألة إن كان هذا يُحسب تقصيرًا منهم أم لا. إذ لست أقصد بذكره إلا أن أُثبت ما كان لتلك الخدمة في نظرهم من الأهمية التي نسبوها لتكميل خدمتهم لإسرائيل.



«وسُيسلم الأخ أخاه إلى الموت والأب ولده. ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم» لا يُخفى أن إنجيل يوحنا يوضح بغض رؤساء اليهود للمسيح أكثر مما يوضحه سواه من الأناجيل. فأنهم أخذوا أولاً يقاومون بالكلام (يوحنا إصحاح 5-8). ثم هددوا من يعترف به بالقطع من المجمع (يوحنا إصحاح 9). وحاولوا مرارًا بدون جدوى أن يرجموه (يوحنا إصحاح 10). ولما أقام لعازر تشاوروا عليه لكي يهلكوه. بل وأرادوا أن يقتلوا لعازر أيضًا لكي يبطلوا هذه الشهادة القوية للمسيح (يوحنا إصحاح 11). فكان كلما ازداد النور لهم اشتد بغضهم له (يوحنا إصحاح 12). ولما أشرق النور الساطع من يوم الخمسين فصاعدًا، إذ قدمت الشهادة لقيامة الرب يسوع بقوة ظاهرة لا يتطرق إليها الشك لم يعد لحمقهم حد (أعمال الرسل 6، 7). كان الأخ يسلم أخاه إلى «سيخرجونكم من المجامع بل تأتي ساعة فيها يظن كل من يقتلكم أنه يقدم خدمة لله» (يوحنا 2:16). كان هذا الاضطهاد سيقع عليهم مستقبلاً بعد صعوده وغيابه عنهم بالجسد فسبق وأخبرهم به لكي لا يعثروا بسبه حينما يقع عليهم. فإنهم إذ ذاك يتزكرون انذارات سيدهم ويثبتون.



عجيب هو قلب الإنسان، فأنه لا يطيق مخالفته في عقائده الدينية. يريد الإنسان طبعًا أن يلزم الآخرين بأن يعتقدوا مثله. وكلما كانت عقائده خالية من الحق، كلما قوى غيظه من الذين يرفضونها. وأن أمكنه أن يضطهدهم، فأنه لا يتوانى عن ذلك. حتى وإن كان عندنا الحق، فأننا لا نسلم من هذا الميل الشيطاني، إن لم تفعل فينا نعمة الله الغنية وتجعلنا متواضعين.



لصلة القرابة الجسدية بعض حقوق طبيعية توجب الطف والاحتمال. ولكن عندما تتهيج الاحساسات الناتجة عن التعصب الديني،وتُثير الاضطهادات، يتخذ الإنسان من العلاقات العائلية فرصة للإضرار بأقربائه أكثر من سواهم.



«وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي»، لا يُخفى أن الاعتراف باسم المسيح يهيج الشر في قلوب الذين يرفضونه أكثر من كل ما عداه، كما يقول «وسيفعلون هذا بكم لأنهم لم يعرفوا الآب ولا عرفوني» (يوحنا 3:16).



«ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص». المنتهى هنا، هو منتهى الاضطهادات اليهودية الواقعة على المعترفين باسم المسيح، مدة غيابه، حينما تكون له الشهادة في وسط اليهود، وهم في أرضهم.



«والخلاص» هنا، هو إنقاذ الأمناء، أي تلاميذ المسيح، من مُضطهديهم ودخولهم إلى الملكوت على الأرض (انظر إصحاح 6:24، 13، 14،22؛ مرقس 7:13، 13، 20؛ لوقا 9:21). لأن الكلام هنا، ليس عن خلاص النفس من الدينونة الأبدية بل الثبات على الإقرار بالمسيح وهو غائب، إلى أن يأتي بالقوة ليُنجي الأمناء ويُبيد الأشرار. لا شك أن الذي يُقتل لأجل اسم المسيح في أي وقت كان ينتقل إليه بروحه في السماء. ولكن ليس هذا هو الموضوع هنا.



قد تعودنا أن نجعل معنى كلمة «خلاص» قاصرًا على خلاص النفس من الدينونة الأبدية. ولكنها وردت في مواضع كثيرة بمعنى الشفاء، لكونه خلاصًا من الأمراض وبمعنى الإنقاذ من الأخطار ولاضطهاد وما شاكل ذلك. وكان اليهود يعتقدون حسب النبوات أنه تحدث انقلابات عظيمة جدًا لتنقيتهم قبل إقامة الملكوت وأنه لا يُخلص لأجل الملكوت إلا بقية فقط. وكان من بين المسائل القائمة بينهم للبحث والجدال، أتكون هذه البقية قليلة أم كثيرة؟ «فقال له واحد، يا سيد، أقليل هم الذين يخلصون؟ » (لوقا 23:13) وهذا السؤال كان بخصوص هذه المسائلة التي ذكرناها، وفحواه، أيخلص كثيرون أم قليلون من إسرائيل للملكوت؟ وليس المقصود، أكثيرون أم قليلون، يدخلون السماء؟



كانت الأمة المتمردة سائرة بخطوات سريعة إلى الدينونة التي سبق الرب بنفسه والأنبياء وتنبأوا عنها وقد تمت مبدئيًا وجزئيًا بخراب أورشليم وهلاك سكانها وتشتيت اليهود في كل الأرض على يد تيطس الروماني سنة 70م أما البقية التي قصد الرب أن يُخلصها من تلك الدينونة، فكان يضمها معًا كجماعة خاصة به. مفرزًا إياهم عن الآخرين، كالقول «وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون» (أعمال الرسل 47:2).



وقد انقطعت الاضطهادات اليهودية بخراب أورشليم وتشتيت اليهود بين الأمم على أننا نفهم من النبوات أنهم سيرجعون ثانية إلى أرضهم في المستقبل (حزقيال 24:36). وستكون الحالة حينذاك أي بعد اختطاف الكنيسة كما كانت قبل خراب أورشليم. إذ سيكون أُناس منهم بمنزلة تلاميذ ليسوع المسيح (انظر رؤيا 9:6-11؛ 17:12؛ 4:20). ويكون عليهم اضطهاد شديد من أخوتهم (اليهود) يتطلب منهم الصبر والثبات إلى أن يظهر المسيح من السماء لخلاصهم (إشعياء 5:66).



«ومتى طردوكم في هذه المدينة فاخرجوا إلى الأخرى، فأني الحق أقول لكم لا تكلمون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان»



لا شك أن الرب يقصد بكلامه هذا أن يُصور حالة المعترفين باسمه في وسط إسرائيل وهم في مدنهم بعد اختطاف الكنيسة، إلى أن يأتي لهم كابن الإنسان من السماء بحسب نبوة دانيال «كُنتُ أَرىَ في رؤىَ الليل وإذا مع سُحُبِ السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم اُلأيَّامِ فقربوه قدامه. فأُعْطِيَ سُلطانًا ومجدًا وملكوتًا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي، ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض» (دانيال 13:7، 14). وهذه صفاته عندما يأتي كابن الإنسان ليُصادق على شهادة تلاميذه الأمناء التي يقدمونها بعناء وصبر في وسط إسرائيل. ونراه في كلامه الذي نحن بصدده، يسكت عن المدة ما بين خراب أورشليم واختطاف الكنيسة. ولا غرو في ذلك. لأن هذا هو أسلوب النبوات جميعها عندما تتكلم عن أحوال أمة إسرائيل المتعلقة برفض المسيح. فأنها تقرنها مع حالتهم التي سيكونون عليها وقت رجوعه ثانية. وهذه من الحقائق المعروفة جيدًا عند جميع الذين يدرسون النبوات بتدقيق.



ربما يُخال للقارئ أن قول المسيح، «فأني الحق أقول لكم.. الخ» ينفي توجيه كلامه لغير الذين كان يُخاطبهم وقتئذ. فأقول، أننا قد رأينا أن هذا القول قد صدق على حالة جميع المعترفين باسمه قبل خراب أورشليم، وليس على الرسل الإثني عشر فقط. ومادام الأمر كذلك، فهذا القول يصدق أيضًا على تلاميذ المسيح من الإسرائيليين في أرض إسرائيل الذين سيكونون مُستقبلاً في أحوال وظروف مماثلة، إلى الوقت الذي حدده هنا، وهو إتيانه كابن الإنسان من السماء.



ثم يذكر حدًا، أو شرطًا آخر، عدم تكليمهم مدن إسرائيل. لأنه يفرض تأدية شهادة لاسمه في مدن إسرائيل. وتكون الشهادة قد قاربت أن تكمل عند ظهوره من السماء. وكأن إتيانه هو كمالتها أو خاتمتها. وهذا يوافقه التطويب للذين يموتون في الرب أثناء اضطهادهم بسب شهادتهم له في ذلك الوقت، فأن أعمالهم تتبعهم (رؤيا 13:14)، بمعنى أنه لا يمضي إلا وقت وجيز حتى تُختتم شهادتهم بظهور الرب الذي شهدوا له وبمكافأته لهم.



فأنه من الأمور الواضحة أن الرب سيُقيم لنفسه شهادة قوية في إسرائيل بعد اختطاف الكنيسة:



أولاً- في بداءة الضربات سيكون في أرض إسرائيل بعض يهود أتقياء يتمسكون بكلمة الله والشهادة ليسوع، وأن كانوا لا يعرفونه حق المعرفة. ويشهدون ضد الكفر الذي سيستولي على أكثر اليهود تحت تأثير مسيحهم الكذاب. وهم المشار إليهم في (رؤيا 9:6-11)



ثانيًا- بعد أن يزداد الكفر ويأخذ المسيح الكذاب مركز إله ويجلس في هيكل الله، (دانيال 36:39؛ تسالونيكي الثانية 4:2، 9-12؛ رؤيا 13)، يُقيم الرب الشاهدين المذكورين في (رؤيا 11)، ويحفظها بقوة عظيمة في أورشليم نفسها إلى نهاية الضربات تقريبًا قبل أن يُسمح للوحش بقتلهما.



ثالثًا- يكون أُناس يهود أتقياء في ذلك الوقت نفسه متحدين مع الشاهدين في شهادتهما في أورشليم ومدن إسرائيل الأخرى. ولذلك فسيقتل بعضهم ويتفرق البعض الآخر بالاضطهاد إلى أماكن بعيدة بين الأمم. ولكن سيبقى البعض منهم في أرضهم حتى ظهور الرب، ويرحبون به قائلين «مبارك الآتي باسم الرب» (مزمور 26:118؛ إصحاح 9:21؛ 37:23-39).



فكلام الرب الذي نحن بصدده الآن يناسب حالة الذين سيمكثون في أرضهم في ذلك الوقت العصيب، أحياء وشهودًا له، إلى أن يأتي ليختم شهادتهم بخلاصهم وإهلاك أعدائهم. وكان الرسل أمام الرب يتلقون هذه التعليمات كنواب وممثلين لشهود الأيام الأخيرة لإسرائيل والأمم.




القسم الثالث (عدد 24-42)




تشجيعات وإنذارات عامة لتلاميذ المسيح في الشهادة له



في كل زمان غيابه عنهم



التشجيع الأول: النظر إلى الابن والتشبيه به ومشاركته في احتمال الآلام (عدد 24، 25)



«ليس التلميذ افضل من المُعلم ولا العبد افضل من سيده. يكفي التلميذ أن يكون كمعلمه والعبد كسيده. إن كانوا قد لقبوا رب البيت بعل**ول فكم بالحري آهل بيته؟ ».



يذكر الرب هنا بعض الحقائق لتشجيع جميع تلاميذه وتعزيتهم وقت غيابه عنهم، بينما تكون القوة في يد أعدائهم. فيعين لهم نفس المركز الذي كان له، واضعًا لهم هذه القاعدة «يكفي التلميذ أن يكون كمعلمه» كان هو رب البيت وكان الرؤساء قد لقبوه «بعل**ول»1 فلا عجب إن كانوا يضطهدون آهل بيته أيضًا ولنلاحظ جيدًا أن الرب في أقواله هذه يفرض أنهم سيرفضونه.



التشجيع الثاني: عَلِمَ الله بحقيقة المضطهَدين والمضطهِدين (عدد 26، 27).



«فلا تخافوا. لأن ليس مكتوم لن يُستعلن لا خفي لن يُعرف».يؤثر فينا الاضطهاد تأثيرًا قويًا لأنه يُثير مخاوفنا وهذا ما يقصده إبليس فيجب ألا نخاف بل علينا أن نَثبت راسخين. لأن الخوف إذا تطرق إلينا يفتح الباب للشيطان ويجعل له علينا نفوذًا عظيمًا، في حين لا يكون له قوة البتة أثناء الاضطهاد أن كنا نتشجع. ولكن حالما يضعُف إيماننا، نمتلئ خوفًا منه ونسقط تحت سطوته.



«لأن ليس مكتوم لن يُستعلن ولا خفي لن يُعرف». المكتوم والخفي هنا، هما مكايد المُضطهِدين ومؤامراتهم ضد الله وشعبه ويؤكد الرب لتلاميذه أنها جميعًا معروفة عند الله، وهو سيكشفها لهم إذا لزم ذلك لأجل سلامتهم وقد وردت شهادات كثيرة على ذلك في سفر الأعمال (أقرأ على سبيل المثال أعمال الرسل 5:14، 6؛ 12:23-24). وسيكشفها أيضًا في وقت القضاء، حين يُدين «سرائر الناس» (رومية 16:2) «ويُنير خفايا الظلام ويُظهر آراء القلوب» (كورنثوس الأولى 5:4)



إن الذين يقاومون الحق، يستعملون كل الوسائط التي تظهر لهم أنها تنفذ غاياتهم. وإذا ملأنا الخوف، فأننا ننسى أن «الله هو القاضي» (مزمور 7:75) وإنه الماسك بزمام لسياسة والحكم على الجميع، ويستطيع أن يجعل غضب الإنسان يحمده وبقية الغضب يتنطق بها (مزمور 10:76). يعني إذا شاء في وقت ما أن يسمح بهيجان غضب الأعداء فأنه يحدده، ويحوله لخير شعبه، ومجد اسمه.



«الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور الذي تسمعونه في الأذان نادوا به على السطوح» (عدد 27).



هذا ما يجب عليهم من جهة الجرأة في إذاعة ما تعلموه منه على أنفرد. لم تكن عنده تعاليم سرية (انظر يوحنا 20:18) كما لم يكن كل ما أودعهم إياه من كنوز تعاليمه، خاصًا بهم وحدهم، حتى يخفوه عن الآخرين، بل كان لأجل إفادة الجميع. ومن ثم كان يجب عليهم بعد حلول الروح القدس أن ينادوا بكل ما أوصاهم به بدون خوف (إصحاح 20:28).





التشجيعان الثالث والرابع



خلاص النفس وعناية الآب بأولاده (عدد28-33)



«لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها. بل خافوا بالحري من الذي يقدر أن يُهلك النفس والجسد كليهما في جهنم» (عدد 28)



«خشية الإنسان تضع شركًا. والمتكل على الرب يُرفع» (أمثال 25:29). أن الذي يَخشى الرب ويتكل عليه يَسلم من أشراك كثيرة. فيجب أن يكون لمخافة الرب موضع عظيم في قلوبنا في كل حين، وعلى نوع خاص في وقت هيجان غضب الناس علينا بسب الحق.



لا يُخفى أنهم يقدرون أن يضرونا أضرارًا بليغة إلى حد قتل أجسادنا، إن سمح الله بذلك. ولكن مع ذلك كله يجب أن نحسب الجسد وما يتعلق به أقل قيمة من النفس.



«أليس عصفوران يُباعان بفلس؟ وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم؟ وأما أنتم فحتى ُشعور رؤوسكم مُحصاة. فلا تخافوا. أنتم أفضل من عصافير كثيرة» (عدد 29-31).



وهذا أيضًا لأجل تشجيعهم على الثبات أمام مقاومة البشر لهم. فيؤكد لهم اعتناء الآب التام بهم في كل الأحوال. فأنه ينبغي لهم أن يعرفوا أنهم أعزاء عنده .



إن العصافير، وهي ضئيلة القيمة رخيصة الثمن، لا يسقط واحد منها، مائتًا على الأرض بدون علم أبيهم وأذنه. فكم بالحري لا يُقتل واحد منهم ما لم يكن الآب آذنًا بذلك؟ وقد تقدم مثل هذا الكلام في (إصحاح 26:6)،ولكن كان قصده به هناك، أن يُطمئن أفكارهم من جهة القوت اليومي. وأما هنا فيستعمل هذا التشبيه الجميل لكي يؤكد لهم أنه لا يمكن أن يُصيبهم أقل ضرر، ما لم يكن أبوهم السماوي قاصدًا ذلك لأجل مجده. فإنه لا يمكن أن يحدث لهم شيء إلا بآذانه.



«فكل من اعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضًا به قدام أبي الذي في السماوات. ولكن من يُنكرني قدام الناس أنكره أنا أيضًا قدام أبي الذي في السماوات» (عدد 32، 33) يتعلق هذا الكلام بالاعتراف بشخص المسيح، وليس بالمناداة بكلمته. وللاعتراف به أوجه مختلفة، ولكل وجه وقته.



فأنه لما كان على الأرض، كانت المشكلة عند اليهود، أهو مسيحهم الحقيقي أم لا؟ فكل من آمن وأعترف به على هذا الاعتبار- أي كابن داود، ومسيح إسرائيل- فقد عُمِلَ ذلك بعمل إلهي فيه، وأصبح من الذين يعترف هو بهم قدام أبيه أنهم له، وهو لهم، لذلك نرى أن بعض أشخاص عُمي اعترفوا به كابن داود، أي كالمسيح الحقيقي وطلبوا منه الشفاء، فشفاهم لأجل إيمانهم هذا، إذ كان هو نوع من الإيمان المطلوب من الأمة في ذلك الوقت. أما إن اقتنع أحد أنه المسيح الحقيقي وامتنع عن الاعتراف به، فواضح أن إيمانه لم يكن صحيحًا. «ولكن مع ذلك آمن به كثيرون من الرؤساء أيضًا غير أنهم لسبب الفريسيين لم يعترفوا به لئلا يصيروا خارج المجمع. لأنهم أحبوا مجد الناس أكثر من مجد الله» (يوحنا 42:12، 43).فلم يكن إيمانهم إلا اقتناعًا عقليًا لا يُفيد، وغنما يُزيد عليهم الدينونة.



ثم بعد موته وقيامته، أصبح الإيمان والاعتراف به، على اعتبار جديد يوضحه الرسول بولس في قوله «لأنك إن اعترفت بفمك آمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خَلُصت» (رومية 9:10). وهذا الاعتراف يتضمن الاعتراف به كابن الله. لأنه «تعين ‘أي تبرهن أنه’ ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات» (رومية 4:1). ويتعلق خلاص أنفسنا الآن بهذا الاعتراف.



امتحان التلمَذة (عدد 34-38)



«لا تظنوا أني جئت لألقي سلامًا على الأرض. ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا» (عدد 34).



هذا ما نتج عن حضور المسيح في وسط إسرائيل. لما وُلدَ تهلل «جمهور من الجند السماوي مُسبحين الله وقائلين، المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة» (لوقا 13:2، 14).وكانت السماء التي انحدر منها ممتلئة من السلام. ولو تاب إسرائيل، لحصلوا على السلام. ولكن إذ رفض فأنه ينبه تلاميذه أن لا ينتظروا سلامًا على الأرض. «بل سيفًا»، والسيف عبارة عن الانقسام والعداوة القاتلة.



«فإني جئت لأُفرق الإنسان ضد أبيه. والابنة ضد أُمها. والكنة ضد حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته» (عدد 35، 36).



يُشير الرب هنا إلى ما ورد في نبوة مِيخا من جهة رداءة إسرائيل وقتئذ حيث يقول «لا تأتمنوا صاحبًا. ولا تثقوا بصديق. احفظ أبواب فمك عن المضطجعة في حضنك. لأن الابن يستهين بالأب. والبنت قائمة علي أمها. والكنة على حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته» (ميخا 5:7، 6).



كان إسرائيل في زمان المسيح على حالة أحسن بحسب الظاهر مما كانوا عليه في زمان النبي ميخا، إذ لم تكن بينهم عبادة الأصنام. ولكن لم يكن هذا إلا إصلاحًا خارجيًا فقط كتبيض البيت من الخارج. وحضور المسيح أظهر حقيقة حالتهم، لأن كل من تاب عن الشر، وآمن بالمسيح، صار مبغضًا ومضطهدًا حتى من أهل بيته.



«من أحب ابًا أو أما أكثر مني فلا يسحقني. ومن أحب إبنًا أو إبنة أكثر مني فلا يستحقني» (عدد 37).



فمهما كانت الحالة مُتعبة وقاسية على الطبيعة، ينبغي على الإنسان أن يعترف بالمسيح ولو التزم أن يُفارق أهله جميعًا، أو أن يعيش بينهم مُبغضًا. وهذا أصعب من الفراق.



«فلا يستحقني»، أي لا يستحق أن يكون واحدًا من تلاميذي. «ومن لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقني» (عدد 38) هنا لأول مرة في العهد الجديد يذكر الصليب. ولكنه سيذكر مرات عديدة فيما بعد إذ بعد رفض المسيح وصلبه، صارت ديانته معروفة ومتصفة بالصليب.



لا شك أن كلام الرب هذا كان غريبًا جدًا على مسامع التلاميذ. ولم يقدروا أن يفهموه إلا بعد موته. ولتعليم الكتاب من جهة الصليب أوجه مختلفة. ولا حاجة إلى البحث فيها هنا. على أني أقول أن الرب إنما يُشير إلى رفضه هنا. ومن ثم يجب أن يتبعه تلاميذه كسيد مرفوض،





الجزاء (عدد 39-42)



«ومن وَجدَ حياته يُضيعها» أي من خلص حياته بالامتناع عن الاعتراف بالمسيح خوفًا من الاضطهاد، فأنه يهلك. «ومن أضاع حياته من أجلي يَجدها» أي من أعترف به، مخاطرًا بحياته، فأنه يخلص.



«من يقبلكم يقبلني»، كان الله إلى وقت مجيء المسيح، يعامل العالم معاملاته متنوعة، من شأنها أن تنبه البشر إلى وجوده تعالى، ووحدانيته (بالمباينة مع تعدد آلهة الأمم)، وضرورة الإيمان به وتقديم العبادة له وحده. وآخر الكل، أرسل ابنه، فصارت المسألة الآن، ليست مجرد الاعتراف بوحدانيته تعالى، بل قبول ابنه الذي أرسله. وكان البعض قد قبلوه رغمًا عن الإهانة التي كانت تلحق بهم من الآخرين بسب قبوله. وإذ ذاك فقد وضع الرب هذا المبدأ «من يقبلكم يقبلني»، لأنهم صاروا شهودًا له، ولا يقبلهم أحد إلا الذين آمنوا بأن سيدهم هو المسيح الحقيقي.



«ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني»، لأنه أتى ليعلن الله الآب الذي أرسله. ومن ذلك الوقت فصاعدًا لم يمكن لأحد أن يعرف الآب أو يحصل على نسبة حقيقية إليه، ما لم يقبل الابن. «كل من ينكر الابن ليس له الآب أيضًا ومن يعترف بالابن فله الآب أيضًا» (يوحنا الأولى 23:2). هذا من جهة الاعتراف به. وفيما يلي مبدأ آخر من جهة الاشتراك في العمل والمجازاة.



«ومن يقبل نبيًا باسم نبي» أي «لأنه نبي» والنبي هنا عبارة عمن يأتينا مُكلمًا إيانا بكلام المسيح. «فأجر نبي يأخذ» فأن كنا نقبله لكونه خادمًا أو نبيًا للمسيح نحسب شركاءه في الخدمة ونشترك في المجازاة.



«ومن يقبل بارًا باسم بار» أي لأنه بار. «فأجر بار يأخذ» فإذا قبلنا إنسانًا تقيًا لكونه منتسبًا للمسيح ويعيش في مخافته وتقواه فأننا بذلك نُظهر محبتنا لسيده ونشترك في الفوائد تقواه «لأن التقوى نافعة لكل شيء. إذ لها موعد الحياة الحاضرة والعتيدة» (تيموثاوس الأولى 8:4).



«ومن سقى أحد هؤلاء الصغار هنا عبارة عن تلاميذ المسيح لأنهم محسوبون صغار العالم مدة غياب سيدهم. ولا يقدرون أن يدافعوا عن حقوقهم. وكثيرًا ما يتضايقون، حتى أنهم يحتاجون إلى أقل معروف من أيدي أُناس قد يكونون خارجين عن الإيمان.



«باسم تلميذ» أو لأنه تلميذ للمسيح. «فالحق أقول لكم أنه لا يضيع أجره» فالذي يُحسن إليهم في الضيق لا يُضيع المسيح أجره ولو كان أصلاً من الذين هم من خارج الإيمان. ولا يقول هنا ما هو الأجر. لأنه يجازيه عن علمه، حينما وكيفما يستحسن هو. وعلى أي حال لا يكون مديونًا لأحد. أنظر ما كافأ به في الحال مَقدم جزيرة مليطة وأهلها البرابرة إزاء ما صنعوه مع بولس ورفقائه من معروف (أعمال الرسل 1:28-10). وانظر أيضًا ما سيفعله الرب في المستقبل مع الذين سيقبلون عبيده في زمان الضيقة العتيدة (إصحاح 31:25-40).







via منتديات اميرات العراق :: PRINCESSESIRAQFORUM :: http://www.lluull.net/vb/showthread.php?t=87172&goto=newpost